أعماله صلى الله عليه وسلم يوم التروية
فأقام عليه السلام بالأبطح - كما قدمنا - يوم الأحد ويوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الأربعاء . وقد حل الناس إلا من ساق الهدي .
وقدم في هذه الأيام علي بن أبي طالب من اليمن بمن معه من المسلمين , وما معه من الأموال , ولم يعد عليه السلام إلى الكعبة بعدما طاف بها .
فلما أصبح عليه السلام يوم الخميس صلى بالأبطح الصبح من يومئذ , وهو يوم التروية , ويقال له : يوم منى ; لأنه يسار فيه إليها .
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب قبل هذا اليوم , ويقال للذي قبله فيما رأيته في بعض التعاليق : يوم الزينة ; لأنه يزين فيه البدن بالجلال ونحوها . فالله أعلم .
قال الحافظ البيهقي أنبأنا أبو عبد الله الحافظ , أنبأنا أحمد بن محمد ابن جعفر الجلودي , حدثنا محمد بن إسماعيل بن مهران , حدثنا محمد بن يوسف , حدثنا أبو قرة , عن موسى بن عقبة , عن نافع , عن ابن عمر , قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم التروية خطب الناس فأخبرهم بمناسكهم
فركب عليه السلام قاصدا إلى منى قبل الزوال , وقيل بعده , وأحرم الذين كانوا قد حلوا بالحج من الأبطح حين توجهوا إلى منى , وانبعثت رواحلهم نحوها .
قال عبد الملك , عن عطاء , عن جابر بن عبد الله , قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحللنا حتى كان يوم التروية وجعلنا مكة منا بظهر لبينا بالحج
ذكره البخاري تعليقا مجزوما
وقال مسلم حدثنا محمد بن حاتم , حدثنا يحيى بن سعيد , عن ابن جريج , أخبرني أبو الزبير عن جابر , قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى قال وأهللنا من الأبطح
وقال عبيد بن جريج لابن عمر : رأيتك إذا كنت بمكة أهلّ الناس إذا رأوا الهلال ولم تهلّ أنت حتى يوم التروية ؟ فقال : لم أر النبي صلى الله عليه وسلم يهلّ حتى تنبعث به راحلته .
رواه البخاري في جملة حديث طويل .
قال البخاري وسئل عطاء عن المجاور منى يلبي بالحج . فقال : كان ابن عمر يلبي يوم التروية إذا صلى الظهر واستوى على راحلته .
قلت : هكذا كان ابن عمر يصنع إذا حج معتمرا , يحل من العمرة , فإذا كان يوم التروية لا يلبي حتى تنبعث به راحلته متوجها إلى منى , كما أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة بعدما صلى الظهر وانبعثت به راحلته .
لكن يوم التروية لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالأبطح , وإنما صلاها يومئذ بمنى , وهذا مما لا نزاع فيه .
قال البخاري : باب أين يصلي الظهر يوم التروية ؟
حدثنا عبد الله بن محمد , حدثنا إسحاق الأزرق , حدثنا سفيان , عن عبد العزيز بن رفيع , قال : سألت أنس بن مالك قال : قلت : أخبرني بشيء عقلت من رسول الله صلى الله عليه وسلم , أين صلى الظهر والعصر يوم التروية ؟ قال : بمنى . قلت : فأين صلى العصر يوم النفر ؟ قال : بالأبطح ، ثم قال : افعل كما يفعل أمراؤك !
وقد أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجة من طرق , عن إسحاق بن يوسف الأزرق , عن سفيان الثوري به . وكذلك رواه الإمام أحمد عن إسحاق بن يوسف الأزرق به . وقال الترمذي : حسن صحيح يستغرب من حديث الأزرق , عن الاسفي .
ثم قال البخاري أنبأنا علي , سمع أبا بكر بن عياش , حدثنا عبد العزيز بن رُفيع , قال : لقيت أنس بن مالك . وحدثني إسماعيل بن أبان , حدثنا أبو بكر بن عياش , عن عبد العزيز , قال : خرجت إلى منى يوم التروية فلقيت أنسا ذاهبا على اسف , فقلت : أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا اليوم الظهر ؟ فقال : انظر حيث يصلي أمراؤك فصَلِّ .
وقال أحمد حدثنا أسود بن عامر , حدثنا أبو كدينة , عن الأعمش , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خمس صلوات بمنى وقال أحمد أيضا حدثنا أسود بن عامر , حدثنا أبو محياة يحيى بن يعلى التيمي , عن الأعمش , عن الحكم , عن مقسم , عن ابن عباس , أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم التروية بمنى وصلى الغداة يوم عرفة بها
وقد رواه أبو داود عن زهير بن حرب , عن أحوص بن جَوَّاب , عن عمار بن زريق , عن سليمان بن مهران الأعمش به . ولفظه : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى
وأخرجه الترمذي عن الأشج , عن عبد الله بن الأجلح , عن الأعمش بمعناه . وقال : ليس هذا مما عده شعبة فيما سمعه الحكم عن مقسم .
وقال الترمذي حدثنا أبو سعيد الأشج , حدثنا عبد الله بن الأجلح , عن إسماعيل بن مسلم , عن عطاء , عن ابن عباس , قال : صلى بنا رسول الله بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم غدا إلى عرفات ثم قال : وإسماعيل بن مسلم قد تكلم فيه .
وفي الباب عن عبد الله بن الزبير وأنس بن مالك .
وقال الإمام أحمد [حدثنا يزيد بن عبد ربه , حدثنا الوليد أبو مسلم عن عثمان بن أبي العاتكة , عن علي بن يزيد , عن القاسم , عن أبي أمامة] حدثنا من رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه راح إلى منى يوم التروية وإلى جانبه بلال بيده عُود عليه ثوب يُظلل به رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني من الحر - .
تفرد به أحمد .
وقد نص الشافعي على أنه عليه السلام ركب من الأبطح إلى منى بعد الزوال , ولكنه إنما صلى الظهر بمنى , فقد يستدل له بهذا الحديث . والله أعلم